إنجاح العمل عن بُعد

تاريخ النشر

2023-12-23 13:53:14

مدخل:

يفترض كثيرون أن العمل عن بُعد هو ظاهرة جديدة نسبيًا، إلا أنه متجذر خلال معظم فترات التاريخ، حيث كان "العمل من المنزل" هو الطريقة التي يكسب بها معظم الناس معيشتهم، وقد غيَّرت الثورة الصناعية من هذا الواقع وجعلت معظم الناس يقضون أيامهم في المصانع والمكاتب.

 

"كلما كانت الصناعة قديمة وأكثر تقليدية، زادت مشكلة تقبلهم لها كقاعدة عامة للعمل عن بُعد."

 

مكَّنت التقنية المتقدمة من عودة العمل عن بُعد:

لحسن الحظ فإن التقدم التقني المتمثل في ظهور التلغراف والهاتف وجهاز الفاكس، أتاح للبعض العمل بعيدًا عن مكاتبهم. وهذه الميزة كانت متاحة لعدد قليل من العاملين غالبًا هم المديرون.

بعد ظهور الحاسوب وانتشار خدمة الإنترنت تمكَّن المزيد من العمال من التواصل من أي مكان حول العالم، وكان الرعيل الأول من العاملين عن بُعد هم مشرفو مواقع الانترنت الذين حافظوا على المنتديات والمدونات عبر الإنترنت، والكُتاب المستقلين ومبدعي الجرافيك، حيث وفرت لهم الحوسبة وشبكة الإنترنت خيارات متعددة وبشكل غير مسبوق.

مع تسارع الإنترنت وانخفاض تكلفة أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أصبح العمل عن بُعد خيارًا مجدياً لأعداد متزايدة من العاملين وأصحاب العمل، وبات بإمكان الموظفين أداء وظائفهم وهم مسترخون في منازلهم، وتمكَّنت الشركات من العمل في مكاتب أصغر بإيجارات أقل، ثم توسع العمل الافتراضي عندما ازداد عدد "الجيل الرقمي" في سوق العمل، أصبح بالإمكان تلخيص مسألة العمل عن بُعد في كلمتين: "لما لا؟"

 

"لمجرد أن العمل عن بُعد آخذ في الازدياد، لا يعني أنه أصبح الوضع الطبيعي الجديد أو حتى أن الشركات تعرف حقًا كيف تتعامل معه."

 

يتيح العمل عن بُعد للأشخاص العمل من أي مكان:

اعتمادًا على مناصبهم، يمكن للعاملين عن بُعد الانضمام إلى شركة (Silicon Valley)، أو شركة استثمار في وول ستريت، أو شركة Fortune 500 من أي مكان يختارونه، حيث بإمكانك تصوير نفسك على الكمبيوتر المحمول الخاص بك، والتسويق لنفسك لأصحاب العمل والحصول على وظيفة براتب مجزي تعمل فيها عن بُعد.

 

"في السابق، كنت تتنافس مع الآخرين في مدينتك؛ ومع العمل عن بُعد، أنت تعيش الآن في مدينة تعج بمليارات الأشخاص."

 

يوفر العمل عن بُعد للشركات فوائد عديدة، ومعظم العاملين عن بُعد يحبون هذا العمل:

عند التفكير فيما إذا كان سيسمح لهم بالعمل عن بُعد، يجد العديد من المديرين أنهم يمكن خفض تكاليف العمل، وتغطية أفضل للمناطق المستهدفة، والانفتاح نحو أسواق جديدة، والحصول على كوادر أفضل تأهيلًا ومن جميع أنحاء العالم بقدرات إبداعية وميزات جاذبة وأفكار جديدة، وفي نفس الوقت زيادة فرص الحصول على حياة طبيعية عند العمل عن بُعد.

ومع ذلك، فإن العمل عن بُعد ليس هو الحل الشامل، ومن الوارد ألا يحبذه معظم المستقلين الذين لا يستطيعون تخيل أي طريقة أخرى للعمل، أو الذين يعتقدون في الغالب أن "الفرق الموزعة" أقل إنتاجية وأكثر صعوبة في الإشراف عليها.

 

"من المحتمل أن تكون هناك جوانب إيجابية هائلة وجوانب سلبية محتملة عندما تتعامل مع قوة عاملة مختلفة المواقع."

 

قد لا يكون العمل عن بُعد هو الخيار الأفضل لجميع المؤسسات أو الموظفين:

تشير الإحصائيات إلى أن هناك ما يقارب من 4 ملايين شركة بيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن العمل عن بُعد ليس هو المسار المناسب لها، وأنه خيار غير قابل للتطبيق بالنسبة للمطاعم والمصانع، التي توظف مجتمعة ما يقرُب من 30 مليون شخص هناك.

وما لا يمكن إنكاره هو أن العمل عن بُعد له جوانب سلبية حتى في المجالات المناسبة، فعلى سبيل المثال نجد أن العاملون عن بُعد قد يتقدمون بشكل أبطأ ويكسبون أموالًا أقل مقارنة بأقرانهم في المكاتب، كذلك نظرًا لأن العاملين عن بُعد لا يمكنهم التواصل بسهولة مع الموظفين الآخرين، بما في ذلك رؤسائهم وكبار المديرين التنفيذيين، فإن وجودهم في المنزل قد يقلل من فرصهم في الترقية، وقد يشعرون أيضًا بالعزلة الاجتماعية.

يمكن للشركات استخدام أساليب وخطط واستراتيجيات مختلفة للتخفيف من هذه الآثار السالبة، والمساعدة في التطور المهني للعاملين عن بُعد، وهناك بعض الشركات تتولى تمويل برامج تدريبية للموظفين، أو تستضيف برامج عبر الإنترنت، وربما تقوم الشركة برعاية حضور المؤتمرات أو الاتفاقيات ذات الصلة، ونجد أن بعض الشركات الذكية تعمل على جمع العاملين عن بُعد وأعضاء الفريق معًا، مرة واحدة على الأقل كل عام.

 

يُعد إنشاء "هياكل التواصل" أمرًا حيويًا لنجاح العمل عن بُعد، على الرغم من أنه قد يكون لدى كل فرد في فريق العمل عن بُعد طريقة مفضلة للبقاء على اتصال، لكن لكي يعمل الجميع معًا بشكل جيد، يجب على كل الأفراد قبول فكرة الاتصال مشترك، والقاعدة الأساسية للعمل عن بُعد هي أن "جودة الاتصال" دائمًا ما تكون أكثر أهمية من "عدد مرات الاتصال".

 

"أدوات التواصل تعمل بشكل جيد فقط إذا استخدمها الجميع. وإلا، فسوف تكتشف قريبًا أن بعض أعضاء الفريق يغردون خارج السرب دون أن يشعروا بذلك.

 

يمكن أن يتخذ التواصل أشكالًا متعددة: بصري، وسمعي، ومكتوب، وإلكتروني، لكن يجب الانتباه إلى أهمية تجنب تعقيدات التواصل بعدم استخدام أكثر من ثلاث أو أربع منصات تواصل، ولك أن تعلم أن شركة (Discosloth) التي تعتبر من مؤسسي شركات العمل عن بُعد، تقتصر التواصل على "البريد الإلكتروني الداخلي، ودردشة جوجل، زووم، وتقويم جوجل".

تُعتبر الدردشة الفورية وسيلة مناسبة للاتصالات التي تتطلب الاستجابة خلال ساعة، فيما يفضل استخدام البريد الإلكتروني للمهام التي تستغرق أيامًا وتتطلب توضيحات أكثر تفصيلًا، وبالنسبة للمكالمات الهاتفية أو المحادثات المرئية فهي الأفضل للتواصل الفوري بين شخص وآخر، ويمكن الاعتماد على الاجتماعات المرئية لمعالجة الأخطاء وفي حالات الطوارئ، أو لإجراء "عصف ذهني عميق" والقاعدة الثابتة طبعًا هي "كلما قل عدد الاجتماعات التي يجب عليك عقدها عن بُعد، زادت الأفضلية".

 

لإدارة العمل عن بُعد كصاحب عمل، اختر الأشخاص المناسبين، وكوِّن فريقًا  متماسكًا ، وحدِّد أهدافًا ملموسة:

 

يجب على المديرين الذين يرغبون في تسهيل العمل عن بُعد أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه العوامل:

  • اختر الأشخاص المناسبين

 قم بتعيين الأشخاص الذين يُظهِرون شغفًا بالعمل عن بُعد. أنت تريد أشخاصًا على قدر من النشاط والحماس ولا يحتاجون إلى تذكيرهم بما يجب عليهم فعله، ومن المؤكد تقريبًا أن الأشخاص الكُسالى الذين يعملون عن بُعد بشكل استقلالي سيفشلون، لذلك ضع تركيزك عند إجراء مقابلات التوظيف على الشخصية دون غيرها، فقد تتجاهل الأشخاص الذين يبدون "غريبي الأطوار بعض الشيء" وقد لا يتواجدون في بيئة مكتبية مناسبة، لكنهم يظهرون تميزًا عند العمل عن بُعد.

 

  • لا تتوقع أن يكون التوظيف سهلًا

أنت تحتاج إلى متواصلين بمهارات جيدة، وموظفين تعتقد أنهم مرغوبين في كل الظروف، لذلك لا تقم بتعيين أشخاص لا يرغبون في التوظيف المكتبي، ويعتقدون أن العمل عن بُعد يؤدي إلى تحسين مزاجهم، ويمكنك التركيز على المبتدئين الذين يسعون للحصول على مقابل مادي يوازي إنتاجيتهم.

 

  • قم بإجراء المقابلة عن بُعد، لكن لا تقم بالتوظيف عن بُعد

إذا كان عليك أن تسافر بالطائرة إلى مقابلة من اجتازوا المعاينات النهائية، فافعل ذلك، لأنه لا يمكنك فهم الشخصية بشكل أفضل من خلال الاتصال المرئي فقط، فأنت بحاجة إلى ممارسة نوع من الضغط على المتقدمين للوظيفة من أجل الحصول إجابات جديرة بالاهتمام، وهو ما لا يمكن إلا من خلال الاتصال المباشر، لا سيَّما في حالة تعيين عمال عن بُعد من بلدان وثقافات مختلفة.

 

  • تجنب قنوات التوظيف عبر الإنترنت

من المهم أن تعرف أنك لن تجد أفضل الأشخاص على مواقع (Monster) أو (Indeed) فالبحث عن موظفين عبر هذه القنوات سيجعلك تطلع على كمية هائلة من السير الذاتية، بدلًا من ذلك استعن بالموظفين لديك للبحث عن أشخاص يعرفونهم بغرض تعيينهم في وظائف مفتوحة للعمل من بُعد.

 

  • قم بتعديل جدول الرواتب الخاص بك ليناسب الأسواق المختلفة، ولكن ادفع جيدًا للاحتفاظ بالمواهب

يمكنك أن تدفع للعاملين عن بُعد من البلدان الأقل نموًا أجورًا أرخص مما يتوقعه معظم العمال الغربيين، ولكنك حتماً لن تستطيع الاحتفاظ بهم لفترة طويلة، ما يدخلك في دوامة إحلال وإبدال الموظفين، نستشهد هنا بشركة (Discosloth) التي تعمل على تحقيق أكبر قدر من المساواة من خلال مضاعفة الراتب المحلي المعتاد للعاملين عن بُعد إلى أربعة أضعاف في البلدان الأقل نموًا.

 

  • بمجرد إعداد فريق العمل عن بُعد، اعمل بجد لبناء تماسك الفريق

شدد على أنَّ كل عضو في فريق العمل عن بُعد يجب أن يتحمل أعباء وظيفته لوحده، لأن هدفك هو تحقيق إنتاجية ومشاركة متساوية من كل عضو في فريقك.

 

  • أخلق فرصًا للاجتماعات وجهًا لوجه

ستتواصل مع العاملين عن بُعد بشكل متكرِّر عبر الاتصال المرئي، لكن هذا لا يمنع أن تتواصل معهم شخصيًا قدر الإمكان، لذلك خطط للاجتماع مع كل عامل عن بُعد كل ثلاثة أشهر – إن أمكن – وإلا فمن المهم عقد اجتماع سنوي من أجل إنشاء جسور تواصل بين الجميع وبناء روح الفريق ورفع الروح المعنوية.

 

  • قم بتقييم العاملين عن بُعد بناءً على إنجازاتهم

لا تبني تقييمك على عدد رسائل البريد الإلكتروني التي يرسلونها، أو عدد المكالمات الهاتفية التي يقومون بها، أو الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة، انتبه إلى النتائج وأخبر العاملين عن بُعد أنك تراقب أدائهم، بعد تحديد مواصفات وأهداف عملهم بناءً على المخرجات والنتائج التي تتم مراجعتها دوريًا؛ وتذكَّر أن "الوقت لا يساوي الإنتاجية".

 

  • لا تقلق بشأن إدارة الموظفين بمناطق زمنية مختلفة

من الطبيعي أن يؤدي تجسير الهوة بين المناطق الزمنية إلى إنشاء اتصالات غير متزامنة، لكن هذا لا يدعو للقلق لأن غياب جدول زمني محدَّد يعني أن الأشخاص ببساطة يضيفون أفكارهم إلى العمل المستمر خلال ساعات العمل التي يختارونها، ويمكن للجميع أداء عملهم بشكل منفرد، وتوحيد جهودهم من خلال تقنيات لا تعتمد على عمل الجميع في ذات الوقت على نفس المهمة، وهذه الميزة تتجلَّى في البيانات مفتوحة المصدر، حيث تحافظ المهمة الفعَّالة على "شفرة المصدر" في بعض المنصات مثل منصة (GitHub) وهي تمكِّن العاملين من الاستعانة بها في انجاز العمل.

 

  • تحتاج كل شركة إلى خطة خاصة لإدارة العمل عن بُعد

لا تتوقع اعتماد خطة موحَّدة تناسب الجميع لإدارة العمل عن بُعد، لأن ما يصلح لشركة مكونة من 10 أشخاص لن يصلح لشركة مثل (Fortune) المكونة من 500 شخص، لذلك يجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة إنشاء خطة تأهيل قوية، بما في ذلك الاجتماع افتراضيًا مع موظف/ة جديد/ة في كل يوم.

يجب على المديرين عن بُعد استخدام أفضل برامج للاتصال، وتحفيز العاملين عن بُعد بحوافز مثل المكافآت وتقاسم الأرباح، والتأكد من أن العاملين عن بُعد يمكنهم العمل بشكل مستقل.

 

"يحتاج الشخص إلى أن يكون متحمسًا للغاية في العمل عن بُعد، وأن يتمتع بأخلاقيات العمل الجاد، وبقدر كبير من الاستقلال الشخصي والإبداع."

 

لإدارة العمل عن بُعد كموظف، استمر في التواصل، وحافظ على عامل المرونة:

 

إذا كنت موظفًا تبحث عن عمل من بُعد، أو ترغب في التحول للعمل عن بُعد، أو قررت البقاء بعيدًا، فضع هذه الاعتبارات في الحسبان:

  • للحصول على وظيفة عمل جيدة عن بُعد، اِجذب انتباه الشخص الذي يقوم بالتوظيف

استهدف الوظائف التي تجيدها فلا تضيع وقتك في التقدم للوظائف التي لا تناسب مهاراتك، وأثناء المقابلات، عندما تدرج مهارات عملك، قدِّم معلومات مقنعة تميزك عن الآخرين، مثل المكان الذي كنت تعمل فيه، ومدى نجاحك في العمل بمفردك، وكيف كسبت المال من خلال مشاريعك الخاصة.

 

  • قم بإنشاء هيكلة لمهامك اليومية في مكان عملك عن بُعد

إحدى فوائد المكاتب التقليدية هي التنظيم الذي تقدمه، لذلك من المهم تأسيس إطار تنظيمي للعمل في مكتب منزلك، مع إنشاء جدول والالتزام به؛ وهنا يجب أن تتجنَّب إنشاء فترات زمنية لمهام العمل فقط؛ ضع جدولًا للأنشطة الترفيهية كذلك، فأنت بحاجة إلى "الحياة الحقيقية الإنسانية" خلال يومك.

 

  • حافظ على اتصالاتك و شبكتك الاجتماعية

لا تجلس في مكتبك يومًا بعد يوم، وحيدًا دون أي تواصل اجتماعي؛ حافظ على التواصل، واخرج لرؤية أشخاص آخرين إذا استطعت.

 

  • الاستقلالية هي مكافأة العمل الجيد

الأشخاص الذين يحبون العمل عن بُعد يقدرون استقلاليتهم بشكل عام، لذلك كُن واقعيًا  ومدركًا لمنصبك ومسؤولياتك ومدة عملك، فسواء كنت تعمل عن بُعد أو في مكتب، فإن مستوى حريتك يعتمد على المدة التي قضيتها مع شركتك وجودة أدائك للعمل.

 

  • يجب أن يتمتع العاملون عن بُعد بالمرونة دائمًا

بشكل خاص عندما تعمل عن بُعد أنت وأعضاء فريقك من مناطق زمنية مختلفة، يجب أن تكون مستعدًا لضبط أوقات عملك بشكل مناسب.

 

 

عن المؤلف:

شارك جيل جيلدنر في تأسيس (Discosloth)، وهي شركة تسويق تقني عن بعد بالكامل، وقد أنشأها

مجتمعات الويب حول الموسيقى الصوتية والأفلام الشهيرة وسيارات (BMW) وسجلات الفينيل.